فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{قَالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59)} أي: لما ذهبوا إلى المعبد الذي يعبدون فيه أصنامهم وجدوها مُحطمة فقالوا: {مَن فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظالمين} [الأنبياء: 59] لأنه اعتدى على الآلهة السليمة وكسَّرها.
إذن: هذه الآلهة لا تستطيع أنْ تدفع عن نفسها الضر، وكان عليهم أنْ يتنبّهوا إلى هذه المسألة، كيف يقبَلُون عبادتها، ولو أوقعت الريحُ أحدهم لكسرته، فيحتاج الإله إلى مَنْ يُصلِح ذراعه ويُرمِّمه ويُقيمه في مكانه، فأيُّ ألوهية هذه التي يدافعون عن حقوقها؟!
{قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إبراهيم (60)} أي: تطوع بعضهم وقالوا هذا، وكان للقوم يوم مُحدّد يذهبون فيه إلى معبدهم ومكان أصنامهم، ويأخذون طعامهم وشرابهم، ويبدو أنه كان يَوْمَ عيد عندهم، وقد استعدّ آزر لهذا اليوم، وأراد أنْ يأخذ معه إبراهيم لعلَّ الآلهة تجذبه فيهتدي وينصرف عَمَا هو فيه.
لَكِن إبراهيم عليه السلام ادّعى أنه مريض، لا يستطيع الخروج معهم، فقال: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89] وعندها عزم إبراهيم على تحطيم أصنامهم وقال: {وتالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ} [الأنبياء: 57] سمعه بعض القوم فأخبرهم بأمره.
{قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} [الأنبياء: 60] والذكْر هنا يعني بالشر بالنسبة لهم، {يُقَالُ لَهُ إبراهيم} [الأنبياء: 60] يعني: اسمه إبراهيم، أو حين نناديه نقول: يا إبراهيم.
ثم يقول الحق سبحانه: {قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ على أَعْيُنِ}.
ومعنى {على أَعْيُنِ الناس} [الأنبياء: 61] يعني: على مَرْأىً منهم ليشاهدوه بأعينهم {لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} [الأنبياء: 61] أي: يشهدون ما نُوقِعه به من العذاب حتى لا يجترئ أحد آخر أنْ يفعل هذه الفِعْلة، ويكون عبرةً لغيره. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{قَالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59)}.
قوله: {مَن فَعَلَ}: يجوز في من أن تكونَ استفهاميةً. وهو الظاهر. فعلى هذا تكونُ الجملةُ مِنْ قوله: {إنَّه لمِن الظالمين} استئنافًا لا محلَّ لها من الإعراب، ويجوزُ أَنْ تكونَ موصولةً بمعنى الذي، وعلى هذا فالجملةُ من {إنَّه} في محلّ رفع خبرًا للموصولِ. والتقديرُ: الذي فَعَلَ هذا بآلهتنا إنه.
{قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إبراهيم (60)}.
قوله: {يَذْكُرُهُمْ}: في هذه الجملةِ وجوهٌ أحدُها: أنَّ سمع هنا تتعدَّى لاثنين لأنها متعلقةٌ بعين، فيكونُ {فتىً} مفعولًا أول، و{يَذْكُرُهم} هذه الجملةُ في محلِّ نصبٍ مفعولًا ثانيًا، ألا ترى أنَّك لو قلتَ: سمعتُ زيدًا وسكتَّ لم يكن كلامًا بخلافِ سمعت قراءتَه وحديثَه. والثاني: أنَّها في محلِّ نصب أيضًا صفةً لإبراهيم، قال الزمخشري: فإن قلتَ: ما حكمُ الفعلَيْن بعد {سمعنا} وما الفرقُ بينهما؟ قلت: هما صفتان لـ {فَتَىً}؛ إلاَّ أنَّ الأول وهو {يَذْكُرهم} لابد منه لـ: سَمِعَ؛ لأنك لا تقول: سمعت زيدًا، وتسكتُ، حتى تذكرَ شيئًا ممَا يُسْمع، وأمَا الثاني فليس كذلك.
قلت: هذا الذي قاله لا يتعيَّنُ؛ لِما عَرَفْتَ أنَّ سَمِعَ إنْ تعلَّقَتْ بما يُسْمع نحو سمعت مقالةَ بكرٍ فلا خلاف أنها تتعدَّى لواحدٍ، وإن تَعَلَّقَتْ بما لا يُسْمَع فلا يُكتْفى به أيضًا بلا خلافٍ؛ بل لابد مِنْ ذِكْرِ شيءٍ يُسْمَعُ فلو قلت: سمعتُ زيدًا وسَكَتَّ، أو سمعتُ زيدًا يركبُ لم يَجُزْ. فإنْ قلتَ: سمعتُه يَقْرأ صَحَّ. وجرى في ذلك خلافٌ بين النحاةِ، فأبوا على يجعلُها متعديةً لاثنين ولا يتمشى عليه قولُ الزمخشري، وغيرُه يَجْعلها متعديةً لواحد، ويجعلُ الجملةَ بعد المعرفةِ حالًا، وبعد النكرةِ صفةً، وهذا أراد الزمخشري.
قوله: {إبراهيم} في رفع {إبراهيم} أوجهٌ أحدُها: أنه مرفوعٌ على ما لم يُسَمَّ فاعلُه أي: قال له هذا اللفظَ، ولذلك قال أبو البقاء: فالمرادُ الاسمُ لا المُسَمَّى وفي هذه المسألةِ خلافٌ بين النحويين: أعني تَسَلُّطَ القولِ على المفردِ الذي لا يؤدي معنى جملة، ولا هو مقتطعٌ من جملة، ولا هو مصدرٌ لـ: قال، ولا هو صفةٌ لمصدرِه نحو: قلتُ زيدًا، أي: قلت هذا اللفظ، فاختاره جماعة كالزجاجيِّ والزمخشريِّ وابنِ خروف وابنِ مالك، ومنعه آخرون. وممَّن اختارَ رفعَ {إبراهيم} على ما ذكرْتُ الزمخشري وابنُ عطية. أمَا إذا كان المفردُ مؤديًا معنى جملةٍ كقولهم: قلتُ خطبةً وشعرًا وقصيدةً، أو اقْتُطِع من جملة كقوله:
إذا ذُقْتُ فاها قلت طعمُ مُدامَةٍ ** مُعَتَّقَةٍ ممَا يجيءُ به التُّجُرْ

أو كان مصدرًا نحو: قلتُ قولًا، أو صفةً له نحو: قلتُ حقًّا أو باطلًا، فإنَّه يَتَسَلَّطُ عليه. كذا قالوا: وفي قولهم المفردُ المقتطعُ من الجملة نظرٌ لأن هذا لم يَتَسَلَّطْ عليه القولُ، إنما يتسلَّطُ على الجملةِ المشتملةِ عليه.
الثاني: أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: يقال له: هذا إبراهيم، أو هو إبراهيم. الثالث: أنه مبتدأٌ محذوفُ الخبر أي: يقال له: إبراهيم فاعلٌ ذلك. الرابع: أنّه منادى وحرف النداءِ محذوفٌ أي: يا إبراهيم، وعلى الأوجه الثلاثةِ فهو مقتطعٌ من جملةٍ، وتلك الجملةُ مَحْكِيَّةٌ بيُقال. وقد تقدَّم تقريرُ هذا في البقرة عندَ {وَقُولُواْ حِطَّةٌ} [الآية: 58] رفعًا ونصبًا. وفي الأعرافِ عند قوله: {قَالُواْ مَعْذِرَةً} [الآية: 164] رفعًا ونصبًا.
والجملةُ من {يُقال له} يُحتمل أَنْ تكونَ مفعولًا آخرَ نحو قولك: ظننتُ زيدًا كاتبًا شاعرًا وأن تكونَ صفةً على رأيِ الزمخشريِّ ومَنْ تابعه، وأَنْ تكونَ حالًا مِنْ {فتى}. وجاز ذلك لتخصُّصِها بالوصف.
{قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61)}.
قوله: {على أَعْيُنِ}: في محلِّ نصبٍ على الحال من الهاء في {به} أي: ائتُوا به ظاهرًا مكشوفًا بمَرْأَىً منهم ومَنْظَرٍ. قال الزمخشري: فإنْ قلتَ: ما معنى الاستعلاء في {على}؟ قلت: هو واردٌ على طريقِ المثلِ أي: يَثْبُتُ إتيانُه في الأعين ويتمكَّنُ ثباتَ الراكبِ على المركوبِ وتمكُّنه منه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
فتساءلوا فيما بينهم وقالوا:
{قَالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إبراهيم (60)} أي يذكرهم بالسوء. ويحتمل أن يكون مَنْ فعله.. فاسألوه، فسألوه فقال: بل فَعَلَه كبيرُهم.
فقالوا: كيف ندرك الذنب عليه؟ وكيف تحيلنا في السؤال عليه- وهو جماد؟
فقال: وكيف تستجيزون عبادة ما هو جمادٌ لا يدفع عن نَفْسِه السوء؟!. اهـ.

.تفسير الآيات (62- 67):

قوله تعالى: {قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنَا يَا إبراهيم (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان إحضاره معلوما أنهم لا يتأخرون عنه، استأنف أخباره لما يقع التشوف له فقال: {قالوا} منكرين عليه مقررين، له بعد حضوره على تلك الهيئة: {ءأنت فعلت هذا} الفعل الفاحش {بآلهتنا يا إبراهيم قال} متهكمًا لهم وملزمًا بالحجة: {بل فعله كبيرهم} غيره من أن يعبد معه من هو دونه، وهذا على طريق إلزام الحجة؛ وتقييده بقوله: {هذا} إشارة إلى الذي تركه بغير كسر يدل على أنه كان فيهم كبير غيره.
وكذا التنكير فيما مضى من قوله: {إلا كبيرًا لهم} وهذا- مع كونه تهكمًا بهم وكناية عن أنهم لا عقل لهم لعبادتهم من يعلمون أنه لا يقدر على فعل ما- تنبيه على قباحة الشرك، وأنه لا يرضى به إله بل يهلك من عبد غيره وكل ما عبد من دونه إن كان قادرًا، غيره على مقامه العظيم، ومنصبه الجسيم.
ولما أخبر بذلك، ولم يكن أحد رآه حتى يشهد على فعله، وكانوا قد أحلوهم بعبادتهم ووضع الطعم لهم محل من بعقل، سبب عنه أمرهم بسؤالهم فقال: {فاسألوهم} أي عن الفاعل ليخبروكم به {إن كانوا ينطقون} على زعمكم أنهم آلهة يضرون وينفعون، فإن قدروا على النطق أمكنت منهم القدرة وإلا فلا، أما سؤال الصحيح فواضح، وأما غيره فكما يسأل الناس من جرح أو قطعت يده أو رجله أو ضرب وسطه وبقيت فيه بقية من رمق، وإسناده الفعل ما لا يصح إسناده إليه وأمره بسؤاله بعد الإضراب عن فعله متضمن لأنه هو الفاعل.
ولما كان روح الكلام إقراره بالفعل وجعلهم موضع الهزء لأنهم عبدوا ما لا قدرة له على دفاع أصلًا تسبب عنه قوله تعالى الدال على خزيهم: {فرجعوا} أي الكفرة {إلى أنفسهم} بمعنى أنهم فكروا فيما قال فاضطرهم الدليل إلى أن تحققوا أنهم على محض الباطل وأن هذه الشرطية الممكنة عقلًا غير ممكنة عادة {فقالوا} يخاطب بعضهم بعضًا مؤكدين لأن حالهم يقتضي إنكارهم لظلمهم: {إنكم أنتم} خاصة {الظالمون} لكونكم وضعتم العبادة في غير موضعها، لا إبراهيم فإنه أصاب في إهانتهم سواء المحزّ ووافق عين الغرض، وفي أنكم بعد أن عبدتموها ولا قدرة لها تركتموها بلا حافظ.
ولما كان رجوعهم إلى الضلال بعد هذا الإقرار الصحيح الصريح في غاية البعد، عبر بأداته مشيرًا إلى ذلك فقال: {ثم نكسوا} أي انقلبوا في الحال غير مستحيين مما يلزمهم من الإقرار بالسفه حتى كأنهم قلبهم قالب لم يمكنهم دفعه {على رءوسهم} فصار أعلاهم أسفلهم برجوعهم عن الحق إلى الباطل، من قولهم: نكس المريض- إذا رجع إلى حاله الأول، قائلين في مجادلته عن شركائهم: {لقد علمت} يا إبراهيم! {ما هؤلاء} لا صحيحهم ولا جريحهم {ينطقون} فكانوا بما فاهوا به ظانين أنه ينفعهم، ممكنين لإبراهيم عليه السلام من جلائل المقاتل.
ولما تسبب عن قولهم هذا إقرارهم بأنهم لا فائدة فيهم، فاتجهت لإبراهيم عليه السلام الحجة عليهم، استأنف سبحانه الإخبار عنها بقوله: {قال} منكرًا عليهم موبخًا لهم مسببًا عن إقرارهم هذا: {أفتعبدون} ونبههم على أن جميع الرتب تتضاءل دون رتبة الإلهية بقوله: {من دون الله} أي من أدنى رتبة من تحت رتبة الملك الذي لا ضر ولا نفع إلا بيده لاستجماعه صفات الكمال.
ولما كانوا في محل ضرورة بسبب تكسير أصنامهم، راجين من ينفعهم في ذلك، قدم النفع فقال: {ما لا ينفعكم شيئًا} لترجوه {ولا يضركم} شيئًا لتخافوه.
ولما أثبت أن معبوداتهم هذه في حيز العدم، فكانوا لعبادتها دونها، استأنف تبكيتهم لذلك بأعلى كلمات التحقير التي لا تقال إلا لما هو غاية في القذارة فقال: {أف} أي تقذر وتحقير مني، وفي الأحقاف ما يتعين استحضاره هنا، ثم خص ذلك بهم بقوله: {لكم ولما تعبدون} ولما كانت على وجه الإشراك، وكانت جميع الرتب تحت رتبته تعالى، وكانت أصنامهم هذه في رتب منها سافلة جدًّا أثبت الجار فقال: {من دون الله} أي الملك الأعلى لدناءتكم وقذارتكم.
ولما تسبب عن فعلهم هذا وضوح أنه لا يقر به عاقل، أنكر عليهم ووبخهم على ترك الفكر تنبيهًا على أن فساد ما هم عليه يدرك ببديهة العقل فقال: {أفلا تعقلون} أي وأنتم شيوخ قد مرت بكم الدهور وحنكتكم التجارب. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {قَالُواْ ءَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا}.
فاعلم أن في الكلام حذفًا، وهو: فأتوا به وقالوا أأنت فعلت، طلبوا منه الاعتراف بذلك ليقدموا على إيذائه، فظهر منه ما انقلب الأمر عليهم حتى تمنوا الخلاص منه، فقال: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا} وقد علق الفأس على رقبته لكي يورد هذا القول فيظهر جهلهم في عبادة الأوثان، فإن قيل قوله: بل فعله كبيرهم كذب.
والجواب للناس فيه قولان: أحدهما: وهو قول كافة المحققين أنه ليس بكذب، وذكروا في الاعتذار عنه وجوهًا.
أحدها: أن قصد إبراهيم عليه السلام لم يكن إلى أن ينسب الفعل الصادر عنه إلى الصنم، إنما قصد تقرير لنفسه وإثباته لها على أسلوب تعريضي يبلغ فيه غرضه من إلزامهم الحجة وتبكيتهم، وهذا كما لو قال لك صاحبك، وقد كتبت كتابًا بخط رشيق، وأنت شهير بحسن الخط، أأنت كتبت هذا؟ وصاحبك أمي لا يحسن الخط ولا يقدر إلا على خرمشة فاسدة، فقلت له: بل كتبته أنت، كأن قصدك بهذا الجواب تقرير ذلك مع الاستهزاء به لا نفيه عنك وإثباته للأمي أو المخرمش، لأن إثباته والأمر دائر بينهما للعاجز منهما استهزاء به وإثبات للقادر.
وثانيها: أن إبراهيم عليه السلام غاظته تلك الأصنام حين أبصرها مصطفة مزبنة.
وكان غيظه من كبيرها أشد لما رأى من زيادة تعظيمهم له فأسند الفعل إليه لأنه هو السبب في استهانته بها وحطمه لها، والفعل كما يسند إلى مباشره يسد إلى الحامل عليه.
وثالثها: أن يكون حكاية لما يلزم على مذهبهم كأنه قال لهم: ما تنكرون أن يفعله كبيرهم، فإن من حق من يعبد ويدعي إلهًا أن يقدر على هذا وأشد منه.
وهذه الوجوه الثلاثة ذكرها صاحب الكشاف.
ورابعها: أنه كناية عن غير مذكور، أي فعله من فعله وكبيرهم هذا ابتداء الكلام ويروى عن الكسائي أنه كان يقف عند قوله بل فعله ثم يبتدىء كبيرهم هذا.